قناص الظلم
04-19-2012, 04:15 PM
فكرة إشعال النار فى القناة فكرة قديمة، ابتكرها ميجور من ضباط المخابرات البريطانية، يدعى (جون بيكر هوايت)، فى صيف 1940م.
ففى تلك الفترة، كان (بيكر) مسئولاً عن الحرب النفسية ضد القوات العسكرية الألمانية، التى تستعد لغزو (بريطانيا)، فسافر إلى خليج (سانت مارجريت) بالقرب من (دوفر)، للاطمئنان على التواجد الأمنى البريطانى هناك.
وعندما وصل (بيكر) إلى المكان جحظت عيناه وخرجت من محجريهما:eek::eek: وهوى قلبه بين قدميه وكاد ان يتوقف ويموت :confused::confused::confused::confused: لان الشاطىء عند خليج سانت مارجريت :confused:كان بدون حراسه.
لقد كان الشاطئ تحت حماية فصيلة واحدة من حملة البنادق، لديها مدفعان من طراز (برين)، ومدفع آلى واحد من طراز (فيكرز)، أما المدفعية المساعدة، فتتكون من عدد قليل من المدافع الفرنسية القديمة، من عيار 75 مم، ولكل مدفع عشر طلقات فحسب.
وكان من الواضح بل مؤكد أنه لو اختار الألمان هذه البقعة للغزو، فلن يمضى أسبوع واحد، إلا ويرتفع العلم النازى على القصر الملكى فى (لندن).
وفى نفس اللحظة، التى تسرب فيها اليأس والأسف إلى قلبه، وقع بصره على مشهد مدهش.
أنابيب بها ثقوب، تمتد بطول الشاطئ، وعلى مسافات منتظمة من بعضها البعض، وخلف هذا الخط خزانات الوقود، وطلمبات تدفع البترول وزيت الوقود إلى الأنابيب، التى تبدو أشبه برشاشات الحدائق، وهى ترسل ألسنة اللهب طوال الوقت:rolleyes::rolleyes::rolleyes:ولنصف ساعة كاملة، وقف (بيكر) يراقب ذلك المشهد دون أن تبدر عنه حركة واحدة، ثم انصرف والمشهد محفور فى ذهنه، يأبى أن يفارقه فى عناد وإصرارعلى الاستفاده منه وطوال طريق عودته إلى (لندن)، لم يفارق مشهد ألسنة اللهب رأسه قط وإنما امتد وتواصل، ليرسم فى عقله مشهداً خرافياً، للنيران وهى تشتعل على سطح البحر نفسه، لتصنع الصورة نفسها، التى وضعها (تينسون)، والتى وصف فيها (بريطانيا) بأنها أبراج عائمة، تحيط بها النيران من كل جانب.
وعندما وصل إلى (لندن)، كانت الفكرة قد اختمرت فى رأسه تماماً، وملأت كيانه كله، وتحولت إلى خطة لنشر الفزع والقلق، فى صفوف القوات الألمانية..
وقدّم (بيكر) فكرته إلى الخبراء، الذين أكدوا إمكانية تنفيذ مثل هذا الأمر، من الناحية النظرية، واستحالة تحقيقه عملياً، لنقص الموارد وضعف الاقتصاد، فى زمن الحرب.
وكان هذا كل ما يحتاج إليه (بيكر)، الذى اكتفى بإطلاق شائعة، تقول: إن (بريطانيا) قد أحاطت سواحلها بأنابيب من الوقود، يمكنها ضخه إلى سطح البحر؛ لإشعال النيران فيه، وحرق كل من يحاول غزوها.
ولاقت الشائعة آذاناً صاغية فى (ألمانيا)، حتى أن الألمان أجروا تجربتين للتأكد من صحة الأمر، الأولى فى (فيكومد) فى (نورماندى)، والثانية فى (بروسيا) الشرقية.
وجاءت النتائج لتضاعف قلق وفزع الألمان، وخاصة عندما حاولوا التغلب على ألسنة اللهب بتغطية القوارب بالأسبستوس، ودفعها وسط النيران، فالتهمتها بلا رحمة.
ولأن الألمان لم يدركوا أن الأمر ليس سوى شائعة، فقد تراجعوا تماماً عن فكرة غزو (إنجلترا)، بأمر مباشر من (أدولف هتلر)، فى التاسع من يناير 1941م.
بهذا خسر الألمان فرصة عمرهم لغزو (بريطانيا).
وبعد احتلال اليهود لسيناء قرروا تنفيذ هذه الفكره ولكن بماده النابالم المحرمه دوليا على قناه السويس بطول خط بارليف وفى سبيل التقين من صحه هذا، نشط عملاء وجواسيس ورجال المخابرات العامة البواسل، فى مراكز القيادة الإسرائيلية، وبين صفوف الجيش، وحتى فى خط (بارليف) نفسه لجمع كل ما يمكنهم من صور ووثائق وخرائط وتصميمات وأقوال، وحتى الشائعات لتغذية المخابرات بسيل من المعلومات التى هى عصب العمل فى هذا العالم السرى الغامض.
ولم يمض شهر واحد، حتى كان رجال المخابرات المصريه على يقين من أن الإسرائيليين قد أنشأوا خط النار هذا بالفعل، وأن الأمر ليس مجرد شائعة.
بل وحصلوا على رسم دقيق للإنشاءات أيضاً، وعينة من السائل الملتهب، الذى تضخه الأنابيب.
لقد تم تصميم ذلك الخط، بحيث يمكن ضخ مزيج من النابالم، والزيوت السريعة الاشتعال، والكيروسين، بطول امتداد القناة، على سطح الماء، من خلال عدد كبير من الصهاريج الضخمة، لها صمامات تتحكم فيها طلمبات ضخ ماصة كابسة، يخرج منها خط من الأنابيب، بقطر ست بوصات، تنتهى بفتحات تحت سطح الماء، فى كل المواضع الصالحة لعبور قناة (السويس).
وكان هذا الأمر بالغ الخطورة بالفعل.
فلو استخدم الإسرائيليون هذا الأسلوب، فى أثناء عملية العبور، وأشعلوا النار فى سطح الماء، لأسفر هذا عن خسائر فادحة رهيبة، ربما التهمت أكثر من 90% من الموجة الأولى، وأكثر من 70% من الموجات التالية.
وجلس الرجال حول مائدة البحث والدراسة، لمناقشة هذا الأمر الخطير، واتفقواعلى انه من الضرورى أنيختبروا الأمر أولاً، قبل أن يتخذ قراراً بشأنه.
على الأقل لمعرفه كيف ستكون النتائج.
وبالفعل، وبناءً على هذا القرار، الذى اتفق عليه الجميع، أجريت تجربة عملية، باستخدام خليط بالنسب نفسها، فى منطقة بعيدة عن العمران، على مياه النيل، وأشعلت النيران، و…
وجاءت النتائج مفزعة.
لقد وصلت درجة حرارة السطح، بعد إشعال النار، إلى سبعمائة درجة مئوية، مما يعنى أن الأمر خطير بالفعل، ويحتاج إلى دراسة طويلة دقيقة متأنية.
ولم تكد هذه الدراسة تبدأ، حتى استغل الإسرائيليون الشق النفسى لخط النار، الذى أنشأوه بطول القناة، وأعلنوا أمره، لإثارة الفزع والرعب فى قلوب المقاتلين المصريين.
ومن العجيب أن المخابرات العامة لم تحاول التهوين من أمر خط النار وإنما راحت تذيع تفاصيله المخيفة، وكأنها تعلن يأسها من إيجاد حل لها، واستسلامها لروح اليأس، واعتبارها أن عملية العبور مستحيلة.
وابتسم الإسرائيليون فى زهو، وهم يجمعون معلوماتهم، عن ردود فعل المصريين، وأدركوا أن خط الجحيم هذا يستحق كل شيكل أنفقوه على إنشائه، بعد أن أتى بثماره المعنوية والنفسية.
ولكن رجال المخابرات المصرية البواسل كانوا يضمرون فى نفوسهم أمراً آخر.
فعلى غمرة تظاهرهم باليأس والاستسلام، أطلقواعملائهم السريين، فى قلب الكيان العسكرى الإسرائيلى، للبحث عن تصميمات ومواضع أنابيب اللهب، المخيفة تحت سطح الماء.
وطلبوا منهم التخلى عن أى أمر آخر، والتفرغ تماماً لهذه المهمة، والسعى للعثور على خريطة النار، مهما كان الثمن.
وبعد ثلاثة أشهر تقريباً، نجح احدالعملاء فى الوصول إلى الجنرال (شموئيل جونين) قائد جبهة (سيناء)، وجمعتهما صداقة واستطاع بعد فتره وجيزه الحصول على الخريطة المنشودة.
خريطة خط النار.
والآن، ولأول مرة صارت المخابرات العامة على علم بموضع كل فتحة، من فتحات أنابيب النابالم.
والآن فقط، أصبح من الممكن وضع خطة حاسمة للتصدى لخط النار، وإفساد فاعليته فى الوقت المناسب.
وفى مبنى المخابرات، صنع الرجال خريطة مجسمة ضخمة، لمنطقة القناة، وتوزيع أنابيب النابالم فيها، وأعادوا دراسة الموقف للمرة العاشرة، واتفقوا على ان - المشكلة لا تكمن فى إبطال فاعلية الخط فحسب، وإنما فى أن يحدث هذا فى الوقت المناسب، بحيث يصبح العدو عاجزاً عن إصلاحها، عندما يبدأ الهجوم الشامل، ويستعد الجنود لعبور قناة (السويس).
كانتنفيذ هذه العمليه فى الوقت المناسب هو الهدف، الذى سعى الرجال لدراسته وتحقيقه، طوال الفترة التى تلت هذا، وحتى صباح السادس من أكتوبر عام 1973م.
لقد أقيم أكثر من نموذج، لمناطق أنابيب النابالم، فى مناطق بعيدة تماماً عن العمران، وموضوعة تحت حراسة خفية مشددة، وتم تدريب عدد من رجال الضفادع البشرية على التعامل معها، بالإضافة إلى عدد آخر من رجال الكوماندوز.
وبعد أشهر طويلة فى التدريبات والاختبارات المتوالية، حانت لحظة المواجهة الحقيقة، فى الساعات الأولى من صباح يوم المعركة، وقبل أن تندلع حرب أكتوبر ببضع ساعات محدودة.
ففى ذلك الوقت تسللت مجموعتان إلى مناطق الأنابيب قامت الأولى بقطع خراطيم المضخات الماصة الكابسة، فى حين تولت الثانية سد فتحات الأنابيب بلدائن خاصة، ذات قدرة على التصلب السريع.
وعلى الرغم من خطورة القيام بعمليتين انتحاريتين فى آن واحد إلا أن هذا الأمر كان حتمياً، إذ أن ازدواج الوسيلة يؤدى إلى تأمين العملية بشكل مطلق، وإذ أن ازدواج الوسيلة يؤدى إلى تأمين العملية بشكل مطلق، وإذ أن كشف تلف المضخات سيربك العدو وسيدفعه إلى بذل الجهود المضنية لإصلاحها، دون أن يدرك أنه لا طائل من وراء هذا، ما دامت فتحات الأنابيب نفسها مسدودة.
عندما بدأت عملية عبور قناة (السويس) فعلياً، فى الثانية وخمس دقائق، بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973م، هرول الإسرائيليون إلى أجهزة ضخ النابالم، ليغمروا مياه القناة بالمزيج الملتهب، وإشعال النار فى المصريين بقواربهم المطاطية وحماسهم المنقطع النظير وهتافهم الذى يرج (سيناء) كلها (الله أكبر) إلا أنهم فوجئوا بأن هذا لم يعد ممكناً.
لقد توقفت الأجهزة عن العمل وفقد خط النار فاعليته.
نجح رجال المخابرات المصرية، والجيش المصرى الذين سجلوا بجهدهم واجتهادهم أسطورة التفوق الإسرائيلى، وحطموا أقوى خطين فى التاريخ العسكرى كله.
خط بارليف
وخط النار.
ففى تلك الفترة، كان (بيكر) مسئولاً عن الحرب النفسية ضد القوات العسكرية الألمانية، التى تستعد لغزو (بريطانيا)، فسافر إلى خليج (سانت مارجريت) بالقرب من (دوفر)، للاطمئنان على التواجد الأمنى البريطانى هناك.
وعندما وصل (بيكر) إلى المكان جحظت عيناه وخرجت من محجريهما:eek::eek: وهوى قلبه بين قدميه وكاد ان يتوقف ويموت :confused::confused::confused::confused: لان الشاطىء عند خليج سانت مارجريت :confused:كان بدون حراسه.
لقد كان الشاطئ تحت حماية فصيلة واحدة من حملة البنادق، لديها مدفعان من طراز (برين)، ومدفع آلى واحد من طراز (فيكرز)، أما المدفعية المساعدة، فتتكون من عدد قليل من المدافع الفرنسية القديمة، من عيار 75 مم، ولكل مدفع عشر طلقات فحسب.
وكان من الواضح بل مؤكد أنه لو اختار الألمان هذه البقعة للغزو، فلن يمضى أسبوع واحد، إلا ويرتفع العلم النازى على القصر الملكى فى (لندن).
وفى نفس اللحظة، التى تسرب فيها اليأس والأسف إلى قلبه، وقع بصره على مشهد مدهش.
أنابيب بها ثقوب، تمتد بطول الشاطئ، وعلى مسافات منتظمة من بعضها البعض، وخلف هذا الخط خزانات الوقود، وطلمبات تدفع البترول وزيت الوقود إلى الأنابيب، التى تبدو أشبه برشاشات الحدائق، وهى ترسل ألسنة اللهب طوال الوقت:rolleyes::rolleyes::rolleyes:ولنصف ساعة كاملة، وقف (بيكر) يراقب ذلك المشهد دون أن تبدر عنه حركة واحدة، ثم انصرف والمشهد محفور فى ذهنه، يأبى أن يفارقه فى عناد وإصرارعلى الاستفاده منه وطوال طريق عودته إلى (لندن)، لم يفارق مشهد ألسنة اللهب رأسه قط وإنما امتد وتواصل، ليرسم فى عقله مشهداً خرافياً، للنيران وهى تشتعل على سطح البحر نفسه، لتصنع الصورة نفسها، التى وضعها (تينسون)، والتى وصف فيها (بريطانيا) بأنها أبراج عائمة، تحيط بها النيران من كل جانب.
وعندما وصل إلى (لندن)، كانت الفكرة قد اختمرت فى رأسه تماماً، وملأت كيانه كله، وتحولت إلى خطة لنشر الفزع والقلق، فى صفوف القوات الألمانية..
وقدّم (بيكر) فكرته إلى الخبراء، الذين أكدوا إمكانية تنفيذ مثل هذا الأمر، من الناحية النظرية، واستحالة تحقيقه عملياً، لنقص الموارد وضعف الاقتصاد، فى زمن الحرب.
وكان هذا كل ما يحتاج إليه (بيكر)، الذى اكتفى بإطلاق شائعة، تقول: إن (بريطانيا) قد أحاطت سواحلها بأنابيب من الوقود، يمكنها ضخه إلى سطح البحر؛ لإشعال النيران فيه، وحرق كل من يحاول غزوها.
ولاقت الشائعة آذاناً صاغية فى (ألمانيا)، حتى أن الألمان أجروا تجربتين للتأكد من صحة الأمر، الأولى فى (فيكومد) فى (نورماندى)، والثانية فى (بروسيا) الشرقية.
وجاءت النتائج لتضاعف قلق وفزع الألمان، وخاصة عندما حاولوا التغلب على ألسنة اللهب بتغطية القوارب بالأسبستوس، ودفعها وسط النيران، فالتهمتها بلا رحمة.
ولأن الألمان لم يدركوا أن الأمر ليس سوى شائعة، فقد تراجعوا تماماً عن فكرة غزو (إنجلترا)، بأمر مباشر من (أدولف هتلر)، فى التاسع من يناير 1941م.
بهذا خسر الألمان فرصة عمرهم لغزو (بريطانيا).
وبعد احتلال اليهود لسيناء قرروا تنفيذ هذه الفكره ولكن بماده النابالم المحرمه دوليا على قناه السويس بطول خط بارليف وفى سبيل التقين من صحه هذا، نشط عملاء وجواسيس ورجال المخابرات العامة البواسل، فى مراكز القيادة الإسرائيلية، وبين صفوف الجيش، وحتى فى خط (بارليف) نفسه لجمع كل ما يمكنهم من صور ووثائق وخرائط وتصميمات وأقوال، وحتى الشائعات لتغذية المخابرات بسيل من المعلومات التى هى عصب العمل فى هذا العالم السرى الغامض.
ولم يمض شهر واحد، حتى كان رجال المخابرات المصريه على يقين من أن الإسرائيليين قد أنشأوا خط النار هذا بالفعل، وأن الأمر ليس مجرد شائعة.
بل وحصلوا على رسم دقيق للإنشاءات أيضاً، وعينة من السائل الملتهب، الذى تضخه الأنابيب.
لقد تم تصميم ذلك الخط، بحيث يمكن ضخ مزيج من النابالم، والزيوت السريعة الاشتعال، والكيروسين، بطول امتداد القناة، على سطح الماء، من خلال عدد كبير من الصهاريج الضخمة، لها صمامات تتحكم فيها طلمبات ضخ ماصة كابسة، يخرج منها خط من الأنابيب، بقطر ست بوصات، تنتهى بفتحات تحت سطح الماء، فى كل المواضع الصالحة لعبور قناة (السويس).
وكان هذا الأمر بالغ الخطورة بالفعل.
فلو استخدم الإسرائيليون هذا الأسلوب، فى أثناء عملية العبور، وأشعلوا النار فى سطح الماء، لأسفر هذا عن خسائر فادحة رهيبة، ربما التهمت أكثر من 90% من الموجة الأولى، وأكثر من 70% من الموجات التالية.
وجلس الرجال حول مائدة البحث والدراسة، لمناقشة هذا الأمر الخطير، واتفقواعلى انه من الضرورى أنيختبروا الأمر أولاً، قبل أن يتخذ قراراً بشأنه.
على الأقل لمعرفه كيف ستكون النتائج.
وبالفعل، وبناءً على هذا القرار، الذى اتفق عليه الجميع، أجريت تجربة عملية، باستخدام خليط بالنسب نفسها، فى منطقة بعيدة عن العمران، على مياه النيل، وأشعلت النيران، و…
وجاءت النتائج مفزعة.
لقد وصلت درجة حرارة السطح، بعد إشعال النار، إلى سبعمائة درجة مئوية، مما يعنى أن الأمر خطير بالفعل، ويحتاج إلى دراسة طويلة دقيقة متأنية.
ولم تكد هذه الدراسة تبدأ، حتى استغل الإسرائيليون الشق النفسى لخط النار، الذى أنشأوه بطول القناة، وأعلنوا أمره، لإثارة الفزع والرعب فى قلوب المقاتلين المصريين.
ومن العجيب أن المخابرات العامة لم تحاول التهوين من أمر خط النار وإنما راحت تذيع تفاصيله المخيفة، وكأنها تعلن يأسها من إيجاد حل لها، واستسلامها لروح اليأس، واعتبارها أن عملية العبور مستحيلة.
وابتسم الإسرائيليون فى زهو، وهم يجمعون معلوماتهم، عن ردود فعل المصريين، وأدركوا أن خط الجحيم هذا يستحق كل شيكل أنفقوه على إنشائه، بعد أن أتى بثماره المعنوية والنفسية.
ولكن رجال المخابرات المصرية البواسل كانوا يضمرون فى نفوسهم أمراً آخر.
فعلى غمرة تظاهرهم باليأس والاستسلام، أطلقواعملائهم السريين، فى قلب الكيان العسكرى الإسرائيلى، للبحث عن تصميمات ومواضع أنابيب اللهب، المخيفة تحت سطح الماء.
وطلبوا منهم التخلى عن أى أمر آخر، والتفرغ تماماً لهذه المهمة، والسعى للعثور على خريطة النار، مهما كان الثمن.
وبعد ثلاثة أشهر تقريباً، نجح احدالعملاء فى الوصول إلى الجنرال (شموئيل جونين) قائد جبهة (سيناء)، وجمعتهما صداقة واستطاع بعد فتره وجيزه الحصول على الخريطة المنشودة.
خريطة خط النار.
والآن، ولأول مرة صارت المخابرات العامة على علم بموضع كل فتحة، من فتحات أنابيب النابالم.
والآن فقط، أصبح من الممكن وضع خطة حاسمة للتصدى لخط النار، وإفساد فاعليته فى الوقت المناسب.
وفى مبنى المخابرات، صنع الرجال خريطة مجسمة ضخمة، لمنطقة القناة، وتوزيع أنابيب النابالم فيها، وأعادوا دراسة الموقف للمرة العاشرة، واتفقوا على ان - المشكلة لا تكمن فى إبطال فاعلية الخط فحسب، وإنما فى أن يحدث هذا فى الوقت المناسب، بحيث يصبح العدو عاجزاً عن إصلاحها، عندما يبدأ الهجوم الشامل، ويستعد الجنود لعبور قناة (السويس).
كانتنفيذ هذه العمليه فى الوقت المناسب هو الهدف، الذى سعى الرجال لدراسته وتحقيقه، طوال الفترة التى تلت هذا، وحتى صباح السادس من أكتوبر عام 1973م.
لقد أقيم أكثر من نموذج، لمناطق أنابيب النابالم، فى مناطق بعيدة تماماً عن العمران، وموضوعة تحت حراسة خفية مشددة، وتم تدريب عدد من رجال الضفادع البشرية على التعامل معها، بالإضافة إلى عدد آخر من رجال الكوماندوز.
وبعد أشهر طويلة فى التدريبات والاختبارات المتوالية، حانت لحظة المواجهة الحقيقة، فى الساعات الأولى من صباح يوم المعركة، وقبل أن تندلع حرب أكتوبر ببضع ساعات محدودة.
ففى ذلك الوقت تسللت مجموعتان إلى مناطق الأنابيب قامت الأولى بقطع خراطيم المضخات الماصة الكابسة، فى حين تولت الثانية سد فتحات الأنابيب بلدائن خاصة، ذات قدرة على التصلب السريع.
وعلى الرغم من خطورة القيام بعمليتين انتحاريتين فى آن واحد إلا أن هذا الأمر كان حتمياً، إذ أن ازدواج الوسيلة يؤدى إلى تأمين العملية بشكل مطلق، وإذ أن ازدواج الوسيلة يؤدى إلى تأمين العملية بشكل مطلق، وإذ أن كشف تلف المضخات سيربك العدو وسيدفعه إلى بذل الجهود المضنية لإصلاحها، دون أن يدرك أنه لا طائل من وراء هذا، ما دامت فتحات الأنابيب نفسها مسدودة.
عندما بدأت عملية عبور قناة (السويس) فعلياً، فى الثانية وخمس دقائق، بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973م، هرول الإسرائيليون إلى أجهزة ضخ النابالم، ليغمروا مياه القناة بالمزيج الملتهب، وإشعال النار فى المصريين بقواربهم المطاطية وحماسهم المنقطع النظير وهتافهم الذى يرج (سيناء) كلها (الله أكبر) إلا أنهم فوجئوا بأن هذا لم يعد ممكناً.
لقد توقفت الأجهزة عن العمل وفقد خط النار فاعليته.
نجح رجال المخابرات المصرية، والجيش المصرى الذين سجلوا بجهدهم واجتهادهم أسطورة التفوق الإسرائيلى، وحطموا أقوى خطين فى التاريخ العسكرى كله.
خط بارليف
وخط النار.