المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسد الدين شيركوه


محمد حسام
04-23-2014, 06:19 PM
التعريف بـ أسد الدين شيركوه ونشأته
أسد الدين شيركوه هو أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مران بن يعقوب، الملك المنصور أسد الدين وزير العاضد؛ مولده بدوين من أذربيجان بطرفها.

نشأ بتكريت إذ كان أبوه متولي قلعتها؛ وقال ابن الأثير: أصلهم من الأكراد الروادية، هم فخذ من الهذبانية، وأنكر هذه النسبة جماعة من بني أيوب وقالوا: إنما نحن عرب وتزوجنا من الأكراد[1].

أهم معارك أسد الدين شيركوه ودوره فيها
في جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وخمسمائة،أرسل نور الدين محمود بن زنكي عسكرًا كثيرًا إلى مصر، وجعل عليهم الأمير أسد الدين شيركوه بن شاذي، وهو مقدم عسكره، وأكبر أمراء دولته، وأشجعهم، وسنذكر سنة أربع وستين سبب اتصاله بنور الدين وعلو شأنه عنده إن شاء الله تعالى.

وكان سبب إرسال هذا الجيش أن شاور وزير العاضد لدين الله العلوي، صاحب مصر، نازعه في الوزارة ضرغام، وغلب عليها، فهرب شاور منه إلى الشام، ملتجئًا إلى نور الدين ومستجيرًا به، فأكرم مثواه، وأحسن إليه، وأنعم عليه، وكان وصوله في ربيع الأول من السنة، وطلب منه إرسال العساكر معه إلى مصر ليعود إلى منصبه ويكون لنور الدين ثلث دخل البلاد بعد إقطاعات العسكر، ويكون شيركوه مقيمًا بعساكره في مصر، ويتصرف هو بأمر نور الدين واختياره؛ فبقي نور الدين يقدم إلى هذا العرض رجلاً ويؤخر أخرى، فتارة يحمله رعاية لقصد شاور بابه، وطلب الزيادة من الملك والتقوِّي على الفرنج، وتارة يمنعه خطر الطريق، وأن الفرنج فيه؛ وتخوف أن شاور إن استقرت قاعدته ربما لا يفي.

ثم قوى عزمه على إرسال الجيوش، فتقدم بتجهيزها وإزالة عللها، وكان هوى أسد الدين في ذلك، وعنده من الشجاعة وقوة النفس ما لا يبالي بمخافة، فتجهز، وساروا جميعًا وشاور في صحبتهم، في جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين، وتقدم نور الدين إلى شيركوه أن يعيد شاور إلى منصبه، وينتقم له ممن نازعه فيه.

وسار نور الدين إلى طرف بلاد الفرنج مما يلي دمشق بعساكره ليمنع الفرنج من التعرض لأسد الدين ومن معه، فكان قصارى الفرنج حفظ بلادهم من نور الدين، ووصل أسد الدين ومن معه من العساكر إلى مدينة بلبيس، فخرج إليهم ناصر الدين أخو ضرغام بعسكر المصريين ولقيهم، فانهزم وعاد إلى القاهرة مهزومًا.

ووصل أسد الدين فنزل على القاهرة أواخر جمادى الآخرة، فخرج ضرغام من القاهرة سلخ الشهر فقتل عند مشهد السيدة نفيسة، وبقي يومين، ثم حمل ودفن بالقرافة، وقتل أخوه فارس المسلمين، وخلع عن شاور مستهل رجب، وأعيد إلى الوزارة، وتمكن منها، وأقام أسد الدين بظاهر القاهرة، فغدر به شاور، وعاد كما كان قرره لنور الدين من البلاد المصرية، ولأسد الدين أيضًا، وأرسل إليه يأمره بالعود إلى الشام، فأعاد الجواب بالامتناع، وطلب ما كان قد استقر بينهم، فلم يجبه شاور إليه، فلما رأى ذلك أرسل نوابه فتسلموا مدينة بلبيس، وحكم على البلاد الشرقية، فأرسل شاور إلى الفرنج يستمدهم ويخوفهم من نور الدين إن ملك مصر.

وكان الفرنج قد أيقنوا بالهلاك إن تم ملكه لها، فلما أرسل شاور يطلب منهم أن يساعدوه على إخراج أسد الدين من البلاد جاءهم فرج لم يحتسبوه، وسارعوا إلى تلبية دعوته ونصرته وطمعوا في ملك الديار المصرية، وكان قد بذل لهم مالاً على المسير إليه، وتجهزوا وساروا، فلما بلغ نور الدين ذلك سار بعساكره إلى أطراف بلادهم ليمتنعوا عن المسير، فلم يمنعهم ذلك لعلمهم أن الخطر في مقامهم، إذا ملك أسد الدين مصر، أشد، فتركوا في بلادهم من يحفظها، وسار ملك القدس في الباقين إلى مصر.

وكان قد وصل إلى الساحل جمع كثير من الفرنج في البحر لزيارة البيت المقدس، فاستعان بهم الفرنج الساحلية، فأعانوهم، فسار بعضهم معهم، وأقام بعضهم في البلاد لحفظها، فلما قارب الفرنج مصر فارقها أسد الدين، وقصد مدينة بلبيس، فأقام بها هو وعسكره، وجعلها له ظهرًا يتحصن به، فاجتمعت العساكر المصرية والفرنج، ونازلوا أسد الدين شيركوه بمدينة بلبيس، وحصروه بها ثلاثة أشهر، وهو ممتنع بها مع أن سورها قصير جدًّا، وليس لها خندق، ولا فصيل يحميها، وهو يغاديهم القتال ويراوحهم، فلم يبلغوا منه غرضًا، ولا نالوا منه شيئًا.

فبينما هم كذلك إذ أتاهم الخبر بهزيمة الفرنج على حارم وملك نور الدين حارم ومسيره إلى بانياس، على ما نذكره عن شاء الله تعالى، فحينئذ سقط في أيديهم، وأرادوا العودة إلى بلادهم، ليحفظوها، فراسلوا أسد الدين في الصلح والعد إلى الشام، ومفارقة مصر، وتسليم ما بيده منها إلى المصريين، فأجابهم إلى ذلك لأنه لم يعلم ما فعله نور الدين بالشام بالفرنج، ولأن الأقوات والذخائر قلت عليهن وخرج من بلبيس في ذي الحجة. يقول من رأى أسد الدين حين خرج من بلبيس: أخرج أصحابه بين يديه، وبقي في آخرهم وبيده لت من حديد يحمي ساقتهم، والمسلمون والفرنج ينظرون إليه. قال: فأتاه فرنجي من الغرباء الذين خرجوا من البحر، فقال له: أما تخاف أن يغدر بك هؤلاء المصريون والفرنج، وقد أحاطوا بك وبأصحابك، ولا يبقى لكم بقية؟ فقال شيركوه: يا ليتهم فعلوه حتى كنت ترى ما أفعله؛ كنت والله أضع السيف، فلا يقتل منا رجل حتى يقتل منهم رجالاً، وحينئذ يقصدهم الملك العادل نور الدين، وقد ضعفوا وفني شجعانهم، فنملك بلادهم ويهلك من بقي منهم، والله لو أطاعني هؤلاء لخرجت إليكم من أول يوم، ولكنهم امتنعوا.

فصلب على وجهه، وقال: كنا نعجب من فرنج هذه البلاد ومبالغتهم في صفتك وخوفهم منك، والآن فقد عذرناهم؛ ثم رجع عنه[2].

وفاة أسد الدين شيركوه
توفي أسد الدين فجأة يوم السبت الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة، فكانت وزارته شهرين وخمسة أيام[3].

قالوا عن أسد الدين شيركوه
يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء عنه: كان أحد الأبطال المذكورين والشجعان الموصوفين ترعب الفرنج من ذكره[4].

يقول العرقلة:

قـل لأمير المؤمنين الذي *** مصـر حمـاه وعليّ أبـوهُ

نصَّ على شاورَ فرعونها *** ونصَّ موساها على شيركوه[5].