نيكيتا
خروشوف
ولد
نيكيتا خروشوف في 17 أبريل 1894 في أسرة من الفلاحين بقرية كالينوفكا بمنطقة كورسك الروسية وكان يرعي الأغنام وتلقي تعليما نظاميا لمدة أربع سنوات فقط خلال حياته المبكرة. وانتقل مع أسرته إلي منطقة دوبناس في أوكرانيا للعمل في مناجم الفحم. وشهد الثورة البلشفية الأولي التي فشلت في عام 1905 وشارك في الاضرابات العمالية بين عامي 12. 1915 وأصبح زعيما لنقابة عمال الفحم في عام 1918 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي. وانضم للحزب الشيوعي في العام التالي.
وترقي بسرعة في صفوف الحزب رغم تعليمه المحدود. والتحق بالجامعة العمالية في يازوفكا لكن نشاطه السياسي لم يمكنه من الحصول علي شهادتها الدراسية وانضم إلي الوفد الأوكراني في المؤتمر الرابع عشر للحزب الشيوعي في موسكو في عام 1925 وكانت هذه أول زياردة له للعاصمة السوفيتية. وشهد المؤتمر الذي عقد بعد وفاة لينين الصراع بين خليفته ستالين وبين الزعماء الآخرين مثل زينوفيف وكامنيوف وتروتسكي ووقف
خروشوف مع الوفد الأوكراني إلي جانب ستالين. والتحق
خروشوف بالأكاديمية الصناعية التي تعد القادة لتنفيذ الخطة الخمسية الأولي في عام 1928 وواصل ترقيه في صفوف الحزب وانضم إلي دعاة الاسراع في التصنيع وتطبيق المزارع الجماعية. وكانت زميلته في الدراسة سفيتلانا الليلوييفا زوجة جوزيف فيسار يونفيتش ستالين السكرتير العام للحزب الشيوعي نفسه وزعيم البلاد بلا منازع. وحدثت سفيتلانا زوجها عن فضائل
خروشوف الحزبية مما ساهم في ترقيته وانتقاله للإقامة في موسكو. وانتخب
خروشوف عضوا في اللجنة المركزية في المؤتمر السابع عشر للحزب في عام 1934. وأصبح
خروشوف المسئول السياسي عن منطقة موسكو ووصف نفسه بأنه مخلص لستالين بنسبة مائة في المائة.
وحظي
خروشوف برعاية ستالين وكان يتردد كثيرا علي منزله خاصة بعد انتحار زوجته سفيتلانا. واحتفظ
خروشوف بشخصيته المرحة وإعجابه الشديد بستالين حتي وسط الفظائع وأعمال التطهير التي ارتكبت في أواخر الثلاثينيات ثم قمع التطلعات القومية في بعض المناطق مثل أوكرانيا خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يكن
خروشوف يدخن أو يشرب الخمر لكنه اضطر لمعاقرة الشراب في الجلسات الخاصة التي يعقدها ستالين لأصدقائه في استراحة "الداشا" ونجا
خروشوف من عمليات التطهير التي أطاح فيها ستالين بالكثيرين ممن كانوا حوله.. ربما لأنه لم يكن يري فيه أي تهديد لزعامته.. فقد كان
خروشوف الأقل تعليما والأقصر طولا من الزعيم. وكان يخفي جيدا أية تطلعات للزعامة ويظهر الولاء والإخلاص الكامل ولم يضع لينين مؤسس النظام السوفيتي أسلوبا معينا لانتقال السلطة. وترك ذلك للصراع والتآمر واخفاء الطموحات لحين ظهور الفرصة. وهذا ما فعله ستالين في العشرينيات ليخلف لينين وقلده
خروشوف بعد وفاة ستالين.
توفي ستالين في عام 1953 وخلال عام واحد استطاع
خروشوف الإطاحة بخليفته المنتظر بريا قائد الشرطة والمخابرات السرية.
وبعد ذلك أطاح ببقية منافسيه الواحد بعد الآخر. واتهمهم بالتواطؤ في الجرائم التي ارتكبت ضد الشيوعيين في عهد ستالين وتجاهل الدور الذي قام به هو نفسه. والقي
خروشوف خطابه السري في اجتماع الحزب الشيوعي في موسكو عام 1956 الذي أدان فيه جرائم ستالين وتسرب هذا الخطاب فيما بعد وكان مفاجأة كبيرة للغرب ويبدو أن كراهية
خروشوف لعهد ستالين كانت حقيقية فقد عكف خلال سنوات حكمه الإحدي عشرة علي القضاء علي الشعور بالخوف الذي كان يتملك الشعب تجاه الدولة. وأغلق
خروشوف معظم معسكرات الاعتقال الباقية من أيام ستالين. وأعاد الاعتبار لنحو عشرين مليونا من ضحايا فترة الرعب في الثلاثينيات وهو ما جاء متأخرا بالنسبة للضحايا أنفسهم لكنه أفاد عائلاتهم.. وخفف من الرقابة المشددة علي كل نواحي الحياة في الاتحاد السوفيتي. وأرخي قليلا من الستار الحديدي الذي فرضه ستالين علي العالم الشيوعي وأعاد الاتصال بالعالم الخارجي.
ووصف المؤلف سياسة
خروشوف الداخلية بأنها كانت بريستوريكا مبكرة وضعت جذور البريستوريكا التي أعلنها سلفه جوربا تشوف وأدت إلي انهيار الاتحاد السوفيتي بعد 35 عاماً.
التحدي
وبدأ
خروشوف في تطبيق سياسة خارجية نشطه وانفتح الاتحاد السوفيتي علي الدول النامية في آسيا وأفريقيا التي كانت تصارع الاستعمار الغربي في ذلك الوقت وتسعي للاستقلال واسترداد حريتها وتصدي للامبراطوريتين البريطانية والفرنسية اللتين كانتا تتهاويان وتنسحبان من مستعمراتها واحدة بعد الأخري. وانخرط في سباق التسلح مع الولايات المتحدة والحرب الباردة علي الساحة الأوروبية وباقي مناطق العالم. وبدأ عصر الفضاء في أيامه باطلاق القمر الصناعي الأول "سبوتنيك" وتبعه إطلاق الحيوانات إلي مدارات خارج الأرض ثم البشر من رواد الفضاء الذين خرجوا من سفنهم وسبحوا في الفضاء في لقطات تليفزيونية كانت تخلب الألباب. وسارعت الولايات المتحدة إلي دخول سباق استكشاف الفضاء ونفذت برنامج "أبوللو" الذي انتهي بهبوط أول إنسان علي سطح القمر. وخرجت الأساطيل السوفيتية إلي بحار الأرض تنافس وتتابع الاساطيل الأمريكية. لكنهم اتخذوا قواعد بحرية في أراضي الدول الأخري إلا في مرحلة متأخرة وفي الدول الشيوعية مثل فيتنام وكوبا.
وقامت الثورة الكوبية في عام 1959 وحاول الزعيم فيديل كاسترو في البداية التفاهم مع الولايات المتحدة والتعاون معها والحصول علي مساعداتها ولما فشل اتجه كاسترو إلي الاتحاد السوفيتي الذي تعهد بشراء السكر الكوبي محصول البلاد الرئيسي. وانضمت كوبا إلي المعسكر الشيوعي مما أثار مخاوف واشنطن. التي فرضت العقوبات عليها. واكتشفت الولايات المتحدة وجود صواريخ نووية روسية في كوبا فاندلعت أزمة خطيرة كادت تؤدي إلي وقوع الحرب النووية في عام 1963 ويري المؤلف أن تراجع جورباتشوف وقبوله سحب الصواريخ كان نقطة في صالحه لأنه جنب العالم مخاطر لا حدود لها.
ولم تكن علاقة الاتحاد السوفيتي طيبة مع العملاق الشيوعي الآخر وهو الصين ونشبت أزمة علي الحدود بين البلدين كادت تؤدي لانهيار العلاقات بينهما نهائيا.. لكن
خروشوف أقام علاقات طيبة مع دول العالم الثالث خاصة مصر والهند وإندونيسيا كانت أفضل من علاقات هذه الدول مع الغرب. وكانت الولايات المتحدة لا تتخذ خطوة في سياستها تجاه هذه الدول قبل أن تدرس ما سيكون عليه رد فعل
خروشوف والاتحاد السوفيتي.
نهاية عصر
وأدت تصرفات
خروشوف المفاجئة في الداخل إلي سقوطه في النهاية فقد شعر أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي بأنه لابد من إيقافه. ووضع حد لتسلطه والفوضي التي أشاعها وسط الأجهزة الحزبية. وتمت الإطاحة به بسرعة في عام 1964 ودون مقاومة وحلت محله قيادة جماعية من ثلاثة زعماء.
وأمضي جورباتشوف السنوات الأخيرة من حياته في عزلة وفي ظروف تشبه الإقامة الجبرية. وكان يلتقي باصدقائه ويتحدث معهم عن شعوره بالذنب للاخطاء التي ارتكبها وقام بكتابة مذكراته التي أعرب فيها عن قلقه إزاء مكانه في تاريخ بلاده كما أعرب عن أمله في أن تفوق حسناته سيئاته في نظر الأجيال القادمة.
ولم يصدر المؤلف حكما قاطعا علي خروشوف. لكنه قال عنه إنه من أهم الشخصيات السياسية التي ظهرت في القرن العشرين وقد عاش
خروشوف في عصر مليء بالزعماء الكبار مثل ايزنهاور وكيندي وديجول وماوتسي تونج وعبدالناصر ونهرو وسوكارنو وجاء كزعيم وسط في بلاده بين القادة الشيوعيين ذوي الشخصيات الطاغية مثل لينين وستالين وبين القيادة الجماعية الباهتة التي تلت عصره في عهد بريجنيف واندروبعوف وشرننيكو والتي انتهت بتولي ميخائيل جوربا تشوف صاحب سياستي البريستوريكا والجلاسنوست والذي كتب فصل النهاية في تاريخ الاتحاد السوفيتي.